سؤال وجواب مع زيد العلي: من بناء الدستور إلى بناء السلام في اليمن
في أعقاب انتفاضات عام 2011 في اليمن، دخلت البلاد فترة من الإنتقال السياسي، نحو ما كان يأمل الكثيرون، أن يمهد الطريق لمستقبل ديمقراطي. فالرئيس السابق علي عبد الله صالح أجبر على الاستقالة، وبدأت السلطات اليمنية، بدعم من الأمم المتحدة، في صياغة دستور جديد. ومع ذلك، منذ استيلاء جماعة أنصار الله على العاصمة (صنعاء) عام 2014 – والتي يُشار إليها بإسم حركة الحوثيين – والتدخل العسكري اللاحق بقيادة السعودية لدعم الحكومة المخلوعة، غرقت اليمن في الحرب وتوقفت عملية بناء الدستور، مع تركيز المجتمع الدولي على جهود بناء السلام. كما تضيف حرب غزة وارتباطها بالتوترات المتصاعدة في البحر الأحمر أبعاداً أخرى للصراع.
بالنسبة لمحللي وممارسي الديمقراطية، تقدم تجربة اليمن دروساً مهمة حول هشاشة التحولات الديمقراطية في سياقات النزاع، تعكس بشكل خاص، كيف أن تعطيلعملية بناء الدستور بسبب الحرب يسلط الضوء على التحديات الهائلة التي تواجه النهوض بالإصلاحات الديمقراطية في غياب السلام والاستقرار الدائمين.
لاستكشاف هذه التحديات، كان هذا الحديث مع زيد العلي[1]، مدير برامج أقدم في البرنامج الإقليمي لغرب آسيا وشمال أفريقيا التابع للمؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات. يتمتع زيد بخبرة تزيد على عقدين في تقديم المشورة بشأن العمليات الدستورية في العالم العربي، بما في ذلك عقد من العمل على جهود السلام والجهود الدستورية في اليمن. في عام 2014، تم تعيينه من قبل المبعوث الخاص للأمم المتحدة، جمال بنعمر، لدعم لجنة صياغة الدستور. كُلفت هذه اللجنة بصياغة دستور جديد يستند إلى نتائج مؤتمر الحوار الوطني، الذي جمع الجماعات السياسية اليمنية لاختتام إطار الحوار السياسي الانتقالي في البلاد. ولكن، مع اندلاع الحرب، تغيرت الأولويات بشكل كبير.
كيف أعادت بداية الحرب تشكيل أعمال بناء الدستور في اليمن؟
عندما بدأت الحرب، توقفنا تماماً عن العمل. كان الصراع عنيفاً للغاية، حيث تضررت المناطق الشمالية والجنوبية من اليمن بشكل خاص من الهجمات والقصف والتدمير بلا هوادة. لقد كان بالفعل وقتاً مدمِراً. وبحلول عام 2016، عملت المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات مع مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة للمساعدة في صياغة استراتيجية بشأن مستقبل اليمن السياسي، بما في ذلك العملية الدستورية والاستفتاء وتنفيذ الدستور. وكجزء من هذه العملية، إنخرطنا مع الجماعات السياسية اليمنية في سلسلة من جلسات الحوار السياسي. ومع ذلك، فإن استمرار الصراع والوضع المزري على الأرض جعل إشراك اليمنيين في هذه المناقشات أمراً صعباً بشكل متزايد.
وفي نهاية المطاف، تحول تركيزنا إلى معالجة الشواغل الأكثر إلحاحاً، أي مفاوضات السلام نفسها. في أواخر عام 2017، بدأت المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات بتنظيم جلسات حوار وعمل مع الجماعات السياسية اليمنية الرائدة حول مفاوضات السلام نفسها. كنا مهتمين بشكل أساسي بمحتوى اتفاق سلام مستقبلي، وأبرزها ترتيبات إنتقالية لصنع القرار في بيئة ما بعد الصراع. وواصلنا تنظيم جلسات الحوار حتى أجبرت جائحة كوفيد-19 الجميع على الإغلاق. بمجرد السيطرة نسبياً على جائحة 2020، بدأنا في تنظيم جلسات حوار داخل اليمن. وكان الهدف هو ضمان مشاركة أوسع في المحادثات الوطنية، حيث إن المناقشات السابقة شملت إلى حد كبير سياسيين على المستوى الوطني وجماعات سياسية رئيسية، تاركة المجتمعات المحلية والمجتمع المدني على الهامش.
هل يمكن أن تخبرنا المزيد عن هذه الحوارات المحلية؟
تم تنظيم هذه الحوارات في المناطق التي كانت تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً، وتضمنت مدخلات من الجماعات المحلية والمجتمع المدني حول رؤيتهم لمستقبل اليمن. وقد أثرت هذه التعليقات في تحليلنا، الذي تم إدخاله بعد ذلك في مفاوضات رفيعة المستوى. تميل مجموعات المجتمع المدني إلى أن تكون أكثر انفتاحاً على النهج الجديدة، لكن تأثيرها محدود. فهم لا يسيطرون على الأراضي أو الأسلحة أو الموارد الاقتصادية، وفي بيئة غير ديمقراطية، ليس لديهم قوة تصويت. تكمن قوتهم في رفع أصواتهم، وربما في توليد الأفكار. وتعمل الحوارات المحلية على تضخيم أصواتهم وزيادة فرص وصولهم إلى صناع القرار. وفي حين نجحت مبادرات الوساطة المحلية في حل قضايا محددة، مثل إعادة فتح المدارس أو استعادة الوصول إلى المياه، إلا أن هذه الحوارات الأوسع نطاقاً ركزت على مفاوضات أكثر تحدياً وأعلى مستوىً.
وعلى الرغم من العقبات، تم إحراز تقدم، وبحلول نهاية عام 2023، كان هناك أمل في التوصل إلى اتفاق يمكن أن يشير إلى مرحلة جديدة في عملية السلام. وتوسطت سلطنة عمان في المفاوضات الأخيرة [الاتفاق السعوديالحوثي]، مع التركيز على المناقشات الثنائية بين الحوثيين [أنصار الله] والمملكة العربية السعودية، مع مساعدة الأمم المتحدة في تنفيذ الاتفاقات بمجرد التوصل إليها. ووفقاً للعديد من التقارير، بحلول نهاية عام 2023، تم إحراز تقدم كبير.
ما الذي تغير منذ ذلك الحين، وأين نقف الآن؟
كان للحرب في غزة، التي بدأت في أكتوبر 2023، تأثير كبير في اليمن. رداً على الهجوم الإسرائيلي على غزة، بدأت جماعة أنصار الله أنشطة عسكرية في البحر الأحمر، بهدف الضغط على المجتمع الدولي وإسرائيل لوقف الحرب. وقد أدت هذه العمليات، بما في ذلك الهجوم الأخير على ناقلة نفط، إلى تقليص زخم المفاوضات لإنهاء الصراع في اليمن بشكل كبير، كما أن الثقة بين مختلف الجهات الفاعلة منخفضة للغاية في الوقت الحالي.
في البيئة الحالية، لن تسمح العديد من العناصر داخل المجتمع الدولي بالتحويلات المالية إلى الحوثيين بسبب الصراع المستمر في البحر الأحمر وتصنيفهم كمنظمة إرهابية دولية. وإلى أن تنتهي الحرب في غزة، من الصعب أن نرى كيف يمكن أن تتقدم الأمور في اليمن، خاصة مع عدم وجود حل في الأفق في غزة.
بناءً على تجربتك، ما هي النصيحة التي تقدمها للممارسين العاملين في مناطق نزاع أخرى في المنطقة؟
من الناحية التقليدية، ركز الدعم على عقد المناقشات وتعزيز الحوار، ولكن مجرد تنظيم الحوار لم يعد كافيا. يجب أن تكون المنظمات مثل مؤسستنا مستودعات للخبرة والمعرفة، وأياً كانت الحوارات التي ننظمها يجب أن تكون جزءاً من جهد لتطوير تحليل متعمق للسياق المحدد والتحديات والفرص التي قد تكون موجودة. يجب أن يشكل هذا التحليل جلسات الحوار، لا سيما حول الأطر الدستورية، وآليات صنع القرار، ودعم الوساطة المستهدفة، لأن هذه هي المجالات التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير. وينبغي أن تكون الاستراتيجيات مرنة وأن يعاد تقييمها بانتظام للاستجابة للتحديات الناشئة في المنطقة.
[1] زيد العلي هو أيضاً مؤلف كتاب النضال من أجل مستقبل العراق الذي نشرته مطبعة جامعة ييل (2014) وكتاب الدستورية العربية: الثورة القادمة الصادر عن مطبعة جامعة كامبريدج (2021).
تم تحرير هذه المقابلة من أجل الطول والوضوح. أجريت المقابلة الأصلية باللغة الإنكليزية.